يقول الله تعالى:
( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ,
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ,
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ) سورة النصر
رمضان شهر التوبة والمغفرة ،والصدقة والزكاة ،
وهو شهر الجهاد والتضحية والفداء والنصر
شهر لو عرف المسلمون ما فيه من خير لتمنوا أن يكون العام كله رمضان .
فأعظم الفتوحات والانتصارات الإسلامية تمت في هذا الشهر الكريم
(غزوة بدر, وحطين, فتح الأندلس, فتح عمورية, معركة عين جالوت, فتح مكة )
كيف حصلت هذه الغزوات والمعارك الفاصلة في تاريخ الأمة الإسلامية في شهر الصوم ، في شهر الجوع، في شهر العطش؟
كيف ينتصر المسلمون على أعداء الله عز وجل في وقت يعتبر فيه كثير من الناس أن هذا الشهر شهر استرخاء، شهر تباطؤ ؟
لكن روح الصوم يعطي المؤمن روح التحدي، روح الإرادة الصلبة، روح الثورة على أسباب الذل والعبودية والشقاء، لأن الأمم تُسترَق، ولأن الشعوب تُستعبَد عندما تقاد من بطونها، وتصطاد من فروجها، لذلك جاءت فريضة الصيام ثورة على هاتين الشهوتين.
إذًا في الصيام ثورة على أسباب الشقاء الأولى، حتى نتحرر من العبودية والذل لتلكم الشهوتين وما يجران بعد ذلك من معاص وإثم وتهالك جهة أعداء الله ، إن الذي تستصيده شهوته ويسترقه بطنه لا بد أن ترى ذلك في حالات الجهاد .
في رمضان كان فتح مكة ، قال تعالى ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) الفتح/1
فتح رسولنا صلى الله عليه وسلم القلوب بالقران الكريم في رمضان ، وفتح مكة بالتوحيد في رمضان ، فاجتمع الفتحان ، وانتصر الإيمان ، وعلا القرآن ، وفاز حزب الرحمن .
كيف فتحت مكة ؟ وما سبب هذا الفتح العظيم ؟
سَبَبُ هذا الفتحِ العظيمِ أنَّه لما تَمَّ الصلْحُ بَيْنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبَيْنَ قريشٍ في الحُديْبيّةِ في السَّنَةِ السَّادسةِ كان مَنْ أحَبَّ أنْ يدْخُلَ في حلف النبي صلى الله عليه وسلم فَعلَ ، ومَن أحبَّ أنْ يدخُلَ في حلف قريشٍ فَعَلَ ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ في حلف النبي صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في حلف قريش ،, هذا ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وكان بَيْنَ القبيلتَين دماءٌ و ثأر في الجاهليَّة .
فليعلم العالم كيف كان يحترم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلف، أتدرون ما المقصود بالحلف؟
المقصود بالحلف هو الدفاع المشترك، فانْتَهَزَتْ بنو بكرٍ هذه الهُدنَةَ وأغَارتْ على خزاعةَ وهم آمِنُون، وأمدت قريشٌ حُلَفَاءها بَنِي بكرٍ بالرجالِ والعتاد والسِّلاحِ سِرّاً لقتال بني خزاعة حلفاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأصابوا منهم مقتلاً عظيماً،
وذهب عمرو بن سالم الخزاعي ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ما حدث لقومه، فماذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ؟ قال: ( نصرت يا عمرو، نصرت يا عمرو) ،
لم يتخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلفه، وأخذ يكون الجيش لأن قريشاً قد نقضت العهد بفعلها هذا ، فقامت قريش من سباتها العميق ، فأرسلت أبا سفيان ليذكر المسلمين بالعهد ،
هل نسي المسلمون العهد ؟ لا ، إنما يريدون أن يستمعوا خاطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُقتل الأبرياء
ويقف محمد صلى الله عليه وسلم مكتوف الأيدي؟! لا، إنما أرسلت أبا سفيان ليفاوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وصل المدينة فاستحى أن يقابل رسول الله ، نقضوا العهد فكيف يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! لا بد له من واسطة، فذهب إلى أبي بكر الصديق ، فرفض الخروج معه ، فذهب إلى عمر بن الخطاب فقال له:
والله لو لم يكن معنا إلا الذر لجاهدناكم به ، ثم عثمان ثم علي فتعب أبو سفيان، فطرق باب ابنته أم حبيبة رضي الله عنها وأرضاها وهي أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففتحت له الباب،
ثم أراد أن يجلس على فراش الرسول، فترفع أم حبيبة الفراش من تحت أبيها، فيقول لها: لماذا تفعلين هذا ؟
فتقول: ما ينبغي لمثلك أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنك نجس ،
هذه المفاصلة يفاصل المسلمون ولا يداهنون ولا يكذبون، إنما يقفون موقف المفاصلة، فعاد أبو سفيان بخفي حنين ولم ير وجهاً طلقاً ينظر في وجهه .
وماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أخذ يكوِّن الجيش، ورفع يديه إلى السماء، وكان ذلك في شهر رمضان ويقول ( اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في ديارها)
كان يستعين بالدعاء لقضاء حوائجه،
فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بتكوين الجيش، وطلب النصرة، ممن؟
من الله ،
فكون جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل ، لماذا ؟
لكي تنصر الفئة المستضعفة التي قتل رجالها ونساؤها،
فأين حكام الأمة من أطفال يقتلون ويذبحون في نهار شهر رمضان؟!
أين هم؟!
إنهم يلهون ويعبثون ولا يعلمون شيئاً عن حال أمتنا فانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يفتح مكة، ففتح الله عز وجل على يديه دون قتال ،
لقد ضعفت قريش أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما حط رسول الله صلى الله عليه وسلم في مر الظهران على بعد ثلاث كيلومتر تقريباً من مكة ، عسكر هناك ، ووقع أبو سفيان في الأسر، فعرف العباسُ صوت أبي سفيانَ فنَادَاه فقال: مالك أبَا الْفَضْلِ ؟
قالَ: هذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الناسِ قال: فما الحيلَةُ ؟
قالَ العباسُ: ارْكَبْ حَتَّى آتِيَ بك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسْتأمِنَه لك ، فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:
وَيْحَكَ يا أبا سفيانَ أمَا آنَ لكَ أنْ تَعْلَمَ أن لا إِله إلاّ الله ؟
فقال: بأبِي أنتَ وأمِّي ما أحْلَمَكَ وأكرَمَك وأوْصَلَكَ لَقَدْ علمْتُ أنْ لَوْ كانَ مع الله غَيْرهُ لأغْنَى عنِّي،
قال: أمَا آنَ لك أنْ تَعْلَم أنَّي رسولُ الله ؟
فَتَلَكَّأ أبوُ سفيانَ، فقالَ له العباسُ: وَيْحك أسْلِمْ فأسْلَمَ وشَهدَ شهادةَ الحَقِّ. ثم أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم العباسَ أن يُوْقِفَ أبا سفيانَ بِمَضَيقِ الْوَادي عِنْد خَطْم الْجَبَل حَتَّى يمُرَّ به المسلمون، فَمَرَّتْ به الْقَبَائِلُ على رَايَاتِها وكأنه استعراض عسكري لم يشهد العالم مثله من قبل , ما تَمُرُّ به قَبيلةٌ إلاَّ سَأل عنها العَبَّاسَ فيُخْبِرُهُ فيقولُ: ما لي وَلَهَا حَتَّى أقْبَلَتْ كَتِيبةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فقال: مَنْ هَذِهِ؟
قال العباسُ: هؤلاءِ الأنْصارُ عليهم سَعدُ بنُ عُبَادَةَ معه الرَّايةُ فلما حاذَاه سُعدٌ قال: أبا سفيان اليومُ يومُ الملحمةِ اليومَ تستحلُّ الكعبة،
ثم جاءت كتِيْبَةٌ وهي أقلُّ الكتائبِ وأجَلُّها وهي مسربلة بالحديد لا يُرَى منها إلا حَدَقَ العيون فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورَايَتُه مع الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ، فَلَّما مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان أخْبَرَه بِمَا قال سعْدٌ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم :
( كَذَبَ سَعْدٌ ولكِنْ هذا يومٌ يُعَظِّمُ الله فيه الْكَعْبةَ ويومٌ تكْسَى فيه الْكَعْبَة)
ورأى أبو سفيان قوة المسلمين , كتيبة وراء كتيبة .
وفي ساعة صفت سماؤها، وشهدتها الملائكة، جلس التاريخ على ركبتيه وتمرغ بين يديه، وإذا بقوات المصطفى صلى الله عليه وسلم تحاصر مكة حصاراً محكم الحلقات ،
ثم مضَى صلى الله عليه وسلم ودَخَلَ مكةَ فاتحاً مُؤَزَّراً منصوراً قد طأطأ رأسَه تَواضُعاً لله عزَّ وجلَّ حَتَّى إنَّ جبْهَتَه تَكَادُ تَمسُّ رَحْلَه وهو يَقْرأ :
( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) الفتح/1
وقال:
( مَنْ دَخَلَ المسجد فهو آمِنٌ، ومَنْ دخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومن دخلَ بيْتَه وأغْلَقَ بابَه فهو آمِنٌ )
ثم مضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المَسْجِدَ الْحَرَامَ فطافَ به على راحِلَتِهِ وكان حوْلَ البيتِ ستون وثَلثُمائَةِ صَنَم ، فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم يطْعُنُها بقَوْس معه ويُقول:
(جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـطِلُ إِنَّ الْبَـطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) الإِسراء/81
(جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَـطِلُ وَمَا يُعِيدُ ) سبأ/ 49
والأصنامُ تَتساقَطُ على وجوهِها، ثم دَخَلَ صلى الله عليه وسلم الكعبة فإذَا فيها صورٌ فأمَرَ بها فَمُحِيَتُ ثم صلَّى فيها فلَّما فرغَ دَارَ فيها وكبَّرَ في نَواحِيْها وَوَحَّدَ الله عزَّ وجلَّ، ثُمَّ وَقَفَ على باب الكعبةِ وقُريشٌ تَحْتَه ينْتَظِرُون ماذا سيَفْعَلُ ؟؟؟؟
وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يلقي بيانه المشهور أمام أهل مكة، أهل مكة الآن يستمعون جميعاً أمام البيت الحرام،
يستمعون إلى القائد المنتصر العظيم،
نبينا صلى الله عليه وسلم الآن يقف خطيباً، ويلقي ببيانه الحاسم، وينظر إلى وجوه ذكرته بالعداء، وجوه ناصبته الكراهية والحقد إحدى وعشرين سنة، إحدى وعشرين سنة وهي تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان بإمكانه أن يشير بإحدى أصابعه إلى أحد قواته المسلحة،
كان بإمكانه أن يلقي إليهم بالإشارة من سبابته، وأن يحول شوارع مكة إلى أنهار من الدماء، ولكن تدرون ماذا فعل؟؟
ما كان يتهدد وما كان يتوعد، وما عرف السجون، ما سمع بالمعتقلات، ولا أقر الظلم حتى مع الكافر، النفوس الكبار فوق الأحقاد، فوق الضغائن، فوق الرذائل، فوق التشفي، لا تعرف حقداً ولا حسداً، وهل هناك يا عباد الله نفساً أكبر من نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وبين تيجان السرور وأكاليل السرور وباقات العطور وهلالات النور وكنوز الدر المنشور سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم :
يا مَعْشرَ قريشٍ، ما تَظُنُّونَ أني فاعِلٌ بكُمْ ؟
قالوا : خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريم ، فماذا أجابهم ؟؟
الذي خاطبه ومولاه بقوله ( وَمَا أَرْسَلْنَٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَٰلَمِينَ) الأنبياء/107
قال: فإنِّي أقُول لكم كما قال يوسفُ لإخوَتِه ( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَحِمِينَ ) يوسف/92 أذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء .
وبهذا الْفَتـحِ المُبِين تمَّ نصـرُ الله ودخل الناس في دينِ الله أفواجاً ، وعادَ بلدُ الله بلداً إسلاميَّاً أعْلِنَ فيه بتَوْحِيْدِ الله وتصديق رسولِه وتحكيم كتابِه ، وصارتِ الدولَةُ فيه لِلْمُسْلمينِ ، وانْدَحَرَ الشركُ وتَبَدَّدَ ظلامُه ، واللهُ أكبرُ وللهِ الْحَمْدُ وَذَلِكَ مِنْ فضلِ الله على عبادِه إلى يوم القيامةِ.
إن فتح مكة هو الوقت الذي زالت فيه غربة الإسلام ، وأصبح عزيزًا في أرجاء الجزيرة ، وسقطت سلطة الوثنية فيها .
هكذا كان رمضان عند المسلمين الأوائل كان حلماً وصياماً ونصراً وفتحاً وبراً وقدراً، فكيف أصبح الآن؟؟
فكيف أصبح رمضان يا معاشر المؤمنين؟
إن الصحابة لما حققوا معنى الصيام غاياته ومقاصده جعل الله شهر صومهم شهر عِزّ ونَصر وتمكين ومجد.
ولما ضعف صبر الأمة وقلّ تقواها وتمسكها بدينها جعلها الله هدفاً لأعدائها ، فأحل بها الكفر أعظم الضيم، وأنزل بها الأعداء ألوان الكيد والتعذيب
شهر رمضان هو شهر التضحيات والبطولات، هو شهر الشهداء، قضيتان اثنتان أراحنا الله منهما وهما :
الرزق والأجل , لا تموت نفس إلا بعد أن تستوفي رزقها وأجلها،
فلماذا الخوف؟ لم الخوف؟
لا بد أن نعلم بأن الأجل محدود ، والرزق محدود، فلا بد أن تستيقظ الأمة من سباتها، وأن تتحد تحت راية واحدة ألا وهي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه الراية لها النصر والتمكين، وبغيرها نرى بأن الناس يتسكعون بين اليمين والشمال.
نلاحظ في غزوة فتح مكة أمران هامان :
- لم يستخدم النبي صلى الله عليه وسلم سلاحاً إلا الدعاء ليعلم أن النصر من عند الله تعالى
- تم تحطيم الأصنام التي كانت تُعبَد من دون الله عز وجل
علينا الأخذ بأسباب النصر وسننه للخروج من مآسي اليوم وتحقيق آمال الغد :
فإن النصر لا ينزل اعتباطًا، ولا يخبط خبط عشواء، بل هو وفق سنن وقوانين مضبوطة كسير الشمس .
- فمن هذه السنن أن تعلم أن النصر من عند الله تعالى ، كما أخبرنا مولانا حيث قال: ( وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) آل عمران/126
فمهما طلبنا النصر من غيره أذلنا الله وخيب سعينا .
- ومن أسباب النصر أن ننصر الله تعالى بأقوالنا وأعمالنا وقلوبنا، فإن الله تعالى قال :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد/7
ونصرنا لله تعالى يكون بتعظيم دينه وامتثال أمره وإعلاء كلمته وتحكيم شرعه والجهاد في سبيله،
قال الله تعالى في بيان المستحقين للنصر:
( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) الحج/41
- ومن سنن النصر أنه آتٍ لا محالة للمؤمنين الصادقين، وأن التمكين للإسلام متحقق رغم العوائق والعقبات، فالدين دين الله ، والله ناصر دينه وأولياءه ، قال تعالى :
( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) غافر/51
لكن هذا الوعد لا يعني أن لا يبتلى المؤمنون بالنكبات والأزمات، ولا يعني أن لا تصاب الأمة بالمصائب والكوارث،
بل كل هذا لا بد منه ليميز الله الخبيث من الطيب،
قال الله تعالى :
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة/214
- وقد يبتلي الله تعالى الأمة بتأخير النصر أو تمكين الأعداء بسبب الذنوب والمعاصي،
قال تعالى ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) آل عمران/165
فإذا أصررت أنا وأنت على تقصيرنا وذنوبنا فهل نرجو أن يصلح الله الأحوال ويرفع عنا هذا الذل والصغار والانكسار؟!
إن هذا لمن المحال،
قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد/11
فإن لم نقلع عن الذنوب والمعاصي ونصرٌ للدين وأهله، فإن الله ينصر دينه بغيرنا، قال تعالى :
( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) محمد/11
على الأمة الإسلامية من أجل النهوض من كبوتها أن تنفض عن كاهلها الوهن والتبعية والمهانة، وأن تعود إلى الله تبارك وتعالى، إلى تطبيق شرعه ومنهاجه دستوراً ونظام حياة، وصدق الله تبارك وتعالى وهو يقول:
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ )غافر/51
النصر مع الصبر