أنت لم يخلقك الله تعالى عبثاً !! ولا من فراغ ولا زيادة على الخلق
وجودك في الحياة له مهمة ينبغي أن تؤديها قبل ان تغادر هذه الحياة
ولمن أليس في الإسلام ما يسلينا ونروّح فيه عن أنفسنا ؟ ألا يحق لنا أن نسهر مع اصحابنا ونتسامر ونفعل ما نشاء ؟؟ ماذا فعل نبينا الكريم في مثل هذا الامر لنقتضي به ؟
تقول عائشة رضي الله عنها :
{ ما نام رسول الله قبل العشاء ولا سمر بعدها} ابن ماجه
ويقول عروة بن الزبير :
{ ما رأيت رسول الله راقدًا قط قبلها ولا متحدثًا بعدها ، إما مصليًا فيغنم أو راقدًا فيسلم} أخرجه عبد الرزاق
وعن الأسود قال: }سألت عائشة رضي الله عنها : كيف كانت صلاة النبي ؟
قالت : كان ينام أول الليل ويقوم آخره {متفق عليه
ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
{ بتُّ عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فاضطجعت في عُرض الوسادة واضطجع رسول الله وأهله في طولها ، فنام رسول الله حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله فجلس يمسح النوم عن وجهه بيديه ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ، ثم قام إلى شنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ، ثم قام يصلي} متفق عليه
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يذم السهر ويحذر منه ويزجر عنه :
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
{ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدب ( أي يذم ويعيب ويحذر ) لنا السمر بعد العشاء} أخرجه أحمد وغيره
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ لا سمر إلا لأحد رجلين : لمصلٍ أو مسافر } أحمد
وقال صلى الله عليه وسلم :
{ إياك والسمر بعد هدأة الرجل "
وفي رواية بعد هدأة الليل ، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله في خلقه } أخرجه الحاكم وغيره
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر أحيانًا في بعض مصالح المسلمين}
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
{ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه} أخرجه أحمد والترمذي
وخلاصة القول :
كل سهر أدى إلى تضييعِ واجبٍ شرعي فإنه يكون سهرًا محرمًا ، حتى ولو كان في طاعة وعبادة ومطالعة واستفادة ،
وكل سهر أدى إلى الوقوع في محرم فهو سهر محرم ، والسهر في طاعة الله إذا لم يترتب عليه ضياع واجب أو فوات مصلحة شرعية أعلى وأرجح منه فإنه سهر محمود لأن كثيراً من الناس استمروا على السهر فأدى بأكثرهم إلى تضييع صلاة الفجر حتى خروجها عن وقتها وصار الذين يشهدونها في جماعة المسلمين في المساجد أفرادًا معدودين محدودين ، وأصبح هذا السهر أمرًا عاديًا وطبيعيًا لا تنكره أكثر القلوب مع أنه قال :
{ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما من الرغائب لأتوهما ولو حبوًا }
إن لظاهرة السهر نتائج ضارة، لا سيما إذا كانت على معصية :
تضييع صلاة الفجر
فالذي يسهر إلى قبيل الفجر ثم ينام أيستطيع الاستيقاظ من النوم لتأدية صلاة الفجر؟! لا أظن ذلك؛ لذا تجده دائمًا تفوته الصلاة، وإضاعة الصلاة جريمة عظمى وكبيرة من كبائر الذنوب وصفة من صفات المنافقين، يقول تعالى:
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} مريم:59
وغَيٌّ : هو واد في جهنم بعيد القَعْر خبيث الطَّعم من قيح ودم، لمن؟ لهؤلاء الذين أضاعوا وقت الصلاة بسبب اتباع الشهوات: مباريات ، مسلسلات، وغير ذلك من الشهوات التي يسهر كثير من الناس من أجلها.
ويقول تعالى:
{ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ,ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ} الماعون:4، 5
وويل : هو واد في جهنم، وقيل: شدة العذاب، جعله الله للذين يؤخرون الصلاة عن وقتها.
فالسهر سبب من أسباب تأخير الصلاة عن وقتها الذي جعله الله لها،
بل هو سبب من أسباب ترك الصلاة مع الجماعة، فالذي يسهر تجده يصلي في بيته، ويتخلف عن الصلاة مع جماعة المسلمين
{ وقد همّ النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحرق بيوت الذين يتخلفون عن الصلاة} أي هَمَّ (أراد) أن يضرم بها النيران
فالذين لا تراهم في صفوف المصلين في صلاة الفجر غالبًا هم الذين يسهرون. فالسهر يفوّت الصلاة، ولو فرضنا جدلاً أن هذا السهران حضر للصلاة فإنه سوف يصلي متكاسلاً مرهقًا تعبًا، يصارع النوم من شدة النعاس، ومن ثم لا يدري ما يقول، وهذه أيضًا بحدّ ذاتها مشكلة، وسببها السهر.
فعل ما كرهه الرسول
فالمسلم يحرص دائمًا على فعل ما يحبه الله عز وجل وما يحبه رسوله ، ويحذر كل الحذر من ارتكاب ما يكرهه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والسهر من الأمور التي كرهها النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.
تفويت المصالح في النهار
فالذي يسهر الليل دائمًا ينام خلال النهار، وفي هذا تفويت لعدة مصالح تكون في النهار، منها حرمان بركة أول النهار، فإن لأول النهار بركة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
{ بورك لأمتي في بكورها}
التكاسل
التكاسل في العمل إن كان عاملاً،
وفي الدراسة إن كان طالبًا , بل حتى فيما يحتاجه الأهل في البيت، فالذي يقضي ليله في السهر لن يكون فعالاً في عمله ولا في دراسته ولا في أسرته، بل يكون فاشلاً عالة على غيره.
مخالفة الفطرة
مخالفة الفطرة التي جعلها الله عز وجل للإنسان في هذه الحياة،
فقد قال سبحانه:
{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاسًا ,وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا} النبأ:10، 11
ربما يقول قائل: هل تريد منا أن نقضي أوقاتنا في قراءة قرآن وصلاة دون أن نعطي للنفوس حظها من الترويح واللهو المباح؟
لا حرج في أن يصرف المسلم وقته في اللهو المباح على ألا يتعدى بذلك اللهو على حق الله تعالى في العبادة، وعلى حق العين والبدن في الراحة، وعلى حق عملك في الإتقان،
كان صلى الله عليه وسلم { يقوم ليله حتى تتفطر قدماه}
وكان صلى الله عليه وسلم { يبكي من خشية الله حتى تتخضب لحيته بدموعه}
وكان الصحابة يقولون عنه: { إنه كان يصوم حتى يقولون: إنه لا يفطر، وكان يفطر حتى يقولون: إنه لا يصوم }
هكذا كان صلى الله عليه وسلم وكان يضحك وجُل ضحكه التبسم، لا يفعل كما يفعل البعض في ضحكهم حتى ينقلبوا على قفاهم من الضحك بأصوات عالية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يعلمنا كيف يكون حظ النفس من اللهو المباح،
فيقبل على الصبية الصغار، فيروح عنهم فيجمعهم صفاً واحداً ويقول: { من قدم إلي فله كذا وكذا} ، فيهرولون على رسول الله فيقبلهم ويلتزمهم،
وهو الذي كان يسابق أم المؤمنين عائشة في بيتها وتسابقه،
وهو الذي كان يحملها وهي صغيرة لتنظر إلى لعب الحبشة،
فهذا هو اللهو المباح، فكان يضحك ويتبسم ويمزح، ولا يقول إلا حقاً.
صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله .